مفهوم الاستثمار السياحي
ما مفهوم الاستثمار السياحي؟
الاستثمار السياحي هو عملية استثمار رأسي المال؛ المادي والبشري في قطاع السياحة؛ بهدف زيادة الدخل، أو زيادة الإيرادات للدولة عن طريق زيادة النشاط السياحي فيها، وذلك من خلال بناء الفنادق والمنتجعات والمدن السياحية، ودعم المشاريع السياحية الصغيرة، وتطوير مشاريع البنية التحتية؛ كالنقل والكهرباء، والصحة، وخدمات الصرف الصِحي، وغيرها من المشاريع التي تخدم السكان المحليين والسياح على حدٍّ سواء.
تهتم المملكة العربية السعودية بالاستثمار السياحيِ؛ إذ تضخ مليارات الدولارات في مشاريع سياحية ضخمة في كل أنحاء المملكة، وضمن العديد من المجالات؛ مثل إقامة المنتجعات والفنادق، وإنشاء وتطوير المطارات؛ وغيرها.
كما تبذل جهودها لجعل المساهمة الاقتصاديّة لقطاع السياحة ترتفع من 3% إلى 10% بحلول عام 2030م ضمن خطة رؤية المملكة 2030؛ وذلك عبر تطوير العديد من المشاريع السياحية التي تهدف إلى زيادة عدد السياح في المملكة إلى ما يقارب 100 مليون زائر سنويًا.
دعمًا لهذه الجهود أُسس صندوق التنمية السياحي الذي يهدف إلى تمكين القطاع السياحيِ بتطوير وجهات سياحية جذابة في المملكة، وجذب الاستثمارات السياحية تحفيزًا للتنمية في هذا القطاع؛ لدعم الاقتصاد السعوديِّ.
أهمية الاستثمار السياحي
القطاع السياحي مهم تمامًا كغيره من القطاعات، ولا يمكن صرف النظر عن أهمية الاستثمار فيه، وما يمكن أن يحققه للدولة، ويظهر ذلك من خلال الآتي:
يحقق النمو الاقتصاديّ
إنّ الاستثمار في السياحة يُسهم في توفير المزيد من فرص العمل، ويُعزز القدرة التنافسية في قطاع السياحة، ويزيد من دخل الدولة وإيراداتها العامة؛ لتحقيق النموِ الاقتصادي في الدّولة.
يمكن لمس أثر الاستثمار السعودي في القطاع السياحي على النمو الاقتصاديّ في المملكة من خلال تقرير وزارة السياحة حول إنفاق السياح بالريال السعودي خلال السنوات من (2015م – 2021م)، والذي يظهر من خلال الرسم البياني الآتي:
كما أسهم القطاع السياحي في الناتج المحلي الإجماليِ للمملكة العربية السعودية بما يقارب 5.3 % في عام 2022م.
يفيد السكان المحليين
إنّ الاستثمار السياحي يعود بالأثر الإيجابي على سكان المناطق التي يستثمر فيها؛ فهو ما يساعدهم على الاستفادة من الخدمات والميزات التي تضاف إلى المنطقة المستثمر فيها؛ ممّا يعود بالنفع عليهم سواء في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحتى البيئية، ويزيد من رفاهية معيشيتهم.
من أبرز ما حصل عليه المواطنون في محافظة العُلا السعودية -التي تعد إحدى وجهات الاستثمار السياحيِ في المملكة- ما يأتي:
- توفير فرص عمل جديدة في المطاعم، والفنادق، والصِّناعات الحرفيَّة، وغيرها.
- دعم قطاعي الزراعة والصناعة في المنطقة؛ عن طريق زيادة الطلب على منتجاتهم، وصناعاتهم اليدوية، والتقليدية.
- المحافظة على تراث المنطقة التي ينتمون إليها.
- توفير بيئة أقل تلوثًا، وتحسين الصورة الجمالية للمنطقة.
- استفادتهم من خدمات النقل، والبِنى التحتية المختلفة.
- رفع مستوى ثقافتهم من خلال التبادل الثقافي مع ثقافات السياح المختلفة.
- إحياء الثقافة المحلية لهم؛ كالفنون الشعبية، والصناعات، والفنون، والحرف اليدوية، وغيرها.
يوفر فرصًا للتنويع الاقتصادي، ويرفع مستوى المهارات
إنّ عملية الاستثمار السياحي وجذب المزيد من السياح يخلق الحاجة إلى منتجات جديدة لم يشهدها السوق المحلي من قبل، وبالتالي يُفسح المجال أمام رجال الأعمال وأصحاب الشركات لدخول تحديات جديدة في السوق المحلي بتجربة منتجات محلية في الأسواق الدولية قبل تصديرها؛ وذلك من خلال تجربتها على السياح الزائرين للمنطقة، وهو ما يرفع من مهارات رجال الأعمال، ويفتح لهم آفاقًا جديدةً على المستويين؛ المحلي والعالمي.
مثلًا قام البرنامج الوطني للحرف والصناعات السعودية “بارع” التابع لوزارة السياحة -الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني سابقًا- بافتتاح متجر اسمه “صوغة” في الحي الدبلوماسي الواقع في الرياض عام 2019م -وهو أول متجر متخصِص من هذا النوع- بغرض تسويق المنتجات الحرفية السعودية محليًا على المدى القريب، وعالميًا على المدى البعيد؛ وذلك لإنعاش الحركتين؛ التجارية والسياحية بصفتهما جزءًا من خطة رؤية المملكة 2030.
يحمي الموجودات البيئية، والثقافية
يُسهم الاستثمار السياحي في تخصيص موارد مالية للمحافظة على التراثين؛ الطبيعي والثقافي في الدولة، سواء أكان ذلك بحماية وترميم المناطق الأثرية أم المدن القديمة، أم حتى المتنزهات الوطنية، وغيرها.
إيمانًا بأهمية هذه الموجودات، يدعم صندوق التنمية الثقافية في المملكة العربية السعودية قطاع ترميم الآثار، والمحافظة على التراث والمتاحف، كما يسهّل الاستثمار في الأنشطة الثقافية، وتعزيز ربحية القطاع الثقافي، إضافة إلى العمل على تخصيص تمويل مستدام من القطاعين؛ العام والخاص بصفته جزءًا من رسالته.
أهم مجالات الاستثمار السياحي
لا يقتصر الاستثمار السياحي على مجال واحد فحسب، وإنما يمتدّ ليصل إلى العديد من المجالات؛ منها:
مجال المواقع الأثرية
من المهم العناية بالمناطق الأثرية بصفتها جزءًا من الاستثمار السياحي؛ وذلك لجذب المزيد من السياح المهتمين بالآثار، وتطوير التراث الثقافي في المنطقة، وهو ما عملت عليه المملكة العربية السعودية؛ إذ جعلت محافظةَ العلا جزءًا من خطة الاستثمار السّياحي عبر إقامة مشروع تطوير العلا؛ لكونها غنيةً بالمعالم التّاريخية، والميزات الفريدة التي يمكن أن تجعلها وجهةً سياحية مميزة ومستدامة على المدى البعيد.
وحصيلة الجهود السعودية مستمرة في الحفاظ على التراث الوطني، والتاريخ السعودي؛ فقد أُنضمت 6 مواقع أثرية سعودية إلى قائمة اليونيسكو في عام 2021م؛ وهي مدائن صالح، وحي الطريف في الدرعية، وجدة التاريخية، إضافة إلى كل من الرسوم الصخرية في حائل، وواحة الأحساء، وآبار حمى.
المجالات الترفيهية
يعدّ مجال الترفيه والمتعة من المجالات المهمة التي يمكن الاستثمار فيها سياحيًا؛ لأنها تمنح السياح متعة التسلية والمغامرة، وخوض تجارب جديدة في البلد التي يسافرون إليها.
تركز المملكة العربية السعودية على هذا الجانب، والمثال على ذلك مشروع تطوير جزيرة سندالة ضمن مشروع نيوم كونها وجهة مهمة للسياحة البحرية؛ إذ أكد عليه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- حين قال:”يمثّل هذا المشروع لحظةً مهمة تعكس تَسارُعَ التطوير في نيوم، ويجسّد خطوةً رئيسةً لتحقيق طموحاتنا السّياحيّة في إطار رؤية السعودية 2030″.
كما عملت المملكة على العديد من مشروعات السِّياحة التَّرفيهية، مثل مدينة القدية الترفيهية في مدينة الرياض، ومشروع حديقة الملك سلمان وغيرها.
مجال المواقع الدينية
يمكن الاستثمار في مجال المواقع الدينية بترميمها والعناية بها، وتطوير في الخدمات التي يمكن أن تجذب المزيد من السياح لها بغض النظر عن الاهتمامات الخاصة بالسياح؛ سواء أكانت اهتمامات دينية للعبادة، أم ثقافية بهدف التعرف على الثقافات الأخرى.
يعد وجود مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة وغيرهما من الأماكن المقدسة في المملكة العربية السعودية دافعًا للاستثمار في سبيل خدمة هذه الأماكن؛ إذ يزورها ملايين الزوار سنويًا، ومن المهم إقامة الفنادق والمطاعم، وتوفير الخدمات الأساسية والعمل على تطويرها؛ فهذا يعود على الدولة بالإيرادات التي يمكن استثمارها في سبيل تحسين هذه الخدمات.
مجال الضيافة السياحي
يقصد بمجال الضيافة السياحي توفير مرافق يمكن للسّياح الإقامة فيها والقيام ببعض الأنشطة، كتناول الطعام وغير ذلك، وتشمل هذه المرافق الفنادق والمنتجعات والمخيمات وغيرها.
أظهر آخر تقرير منشور من الهيئة العامة للإحصاء في المملكة العربية السعودية في عام 2017م لعدد منشآت قطاع الضيافة السياحي حسب وزارة السياحة السعودية أنّ عدد الغرف في المملكة قد بلغ 544,519 غرفةً باختلاف نوع المنشأة، وقد أنشأت الوزارة المنصة الوطنية للرصد السياحي في سبيل إيجاد سوق يجذب الاستثمارات في هذا المجال في المملكة.
مجال إنشاء المراكز الثقافية وتطويرها
باعتبارها جزءًا من دعم السياحة الثقافية يمكن تعزيز الاستثمار السياحي، ودعمه؛ لإنشاء المراكز الثقافية، وتطويرها، وتعزيز تعرف السياح على هوية الدولة، وثقافتها.
تأكيدًا على اهتمام المملكة العربيّة السعوديّة بدمج الثقافة والسياحة معًا؛ فقد بذلت العديدَ من الجهود لترميم عددٍ من القلاع الأثرية، والقصور التاريخية في المملكة، وتحويلها إلى مراكز ثقافية ومراكز للإبداع والتراث العمراني، والحِرف اليدوية.
مجال السياحة الرياضية
يهتم العديد من السياح بزيارة الدول التي يمكن ممارسة الرياضات المختلفة فيها، أو الذهاب لمشاهدة أحداثٍ رياضية مميزة؛ لذا فإنّ الاستثمار السياحي في هذا المجال يمكن أن يوفر المزيد من الجذب السياحي للمنطقة.
من الأحداث التي نظمتها السعودية كأس العرب للمنتخبات تحت 20 سنة لعام 2022 م في مدينة أبها بالتزامن مع انطلاق صيف أبها، فهذا التنظيم فعل السياحة الداخلية والخارجية؛ لأهمية الحدث، وحسن اختيار المدينة التي تتميز بطبيعتها الجاذبة للسياح.
كذلك استضافت السعودية ضمن فعاليات إقامة واستضافة فعاليات رياضية عالمية كأس السوبر الإيطالي وكأس السوبر الإسباني ثلاث مرات على التوالي في مدينة الرياض. وكذلك استضافت كأس العالم لكرة اليد سوبر غلوب بنسخه الثلاث؛ نسختان في مدينة الدمام، ونسخة في مدينة جدة ، وسباقات فورمولا إي بدءًا من ٢٠١٨ م في الدرعية بالرياض، و فورمولا ١ منذ عام ٢٠٢١ في مدينة جدة.
وقد أسهمت هذه الفعاليات في جذب الآلاف من الزوار- من دول الخليج وسائر دول العالم- وتنشيط قطاعات السياحة والضيافة التي تستفيد من زخم هذه الفعاليات العالمية التي تعزز جذب الزوار والسياح إلى المملكة.
وقد تقرر أن تستضيف المملكة العربية السعودية نهائيات كأس العالم لكرة القدم 2034؛ حيث تقدم الاتحاد السعودي لكرة القدم بالترشح لاستضافة البطولة وفاق خطة شاملة يسعى من خلالها الاتحاد السعودي نحو تسخير جميع الإمكانات والطاقات لتوفير تجربة رائعة وغير مسبوقة في عالم كرة القدم، وتعد الرياضة رافدً أساسيًا لنمو الاقتصاد وازدهاره؛ لذا تحرص السعودية على الاستثمار الأمثل والفعال في القطاع الرياضي بجميع أنواعه من خلال العمل المستمر على تحقيق مستهدفات رؤية 2030، بما ينعكس على مستويات جودة الحياة لمواطني المملكة والمقيمين على أراضيها
مجال الصحة
إنّ الاستثمار في السياحة العلاجية -التي تهدف إلى العلاج من بعض الأمراض أو تحقيق النقاهة والاسترخاء- يعزز الجذب السياحي للمنطقة التي استثمرَ فيها، ويرفع عائداتها.
في هذا المجال تسعى المملكة العربية السعودية إلى العمل على تطوير تجربة السائح العلاجية؛ إذ احتلت المرتبة 14 على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي في مجال السياحة العلاجية، وذلك بحسب مؤشر جمعية السياحة العلاجية لعام 2022م.
كيف يمكن دعم الاستثمار السّياحيّ؟
يمكن دعم الاستثمار السياحي من خلال تقديم التسهيلات الجاذبة للمستثمرين، وتوفير التوجيه لهم؛ ليقوموا بالاستثمار في المجالات والمناطق التي تخدم السّياحة في القطاع السياحي للبلد.
تقدم بوابة الاستثمار السياحي التابعة لصندوق التنمية السياحي السعودي برنامج عون السياحة الذي يدعم إطلاق منشآت جديدة تخلق تجارب مميزة للسياح في كل أنحاء المملكة، ويستهدف منظمي الرحلات السّياحيّة والفعاليات، ومقدمي المنتجات السياحية الثقافية، كما تقدم البوابة برنامج عون السياحة للضيافة لدعم المنشآت الصغيرة ومتناهية الصغر الذي يستهدف قطاع المقاهي والمطاعم ومشاريع الفنادق، وغير ذلك.