السكن الميسّر ودوره في تحقيق التنمية المستدامة

يشكّل السكن ركناً رئيسياً لتحقيق الاستقرار الاجتماعي والنمو الاقتصادي، وبالتالي دعم مسيرة التنمية، فالحصول على سكن آمن وبسعر مناسب يحسّن جودة الحياة، ويقلل من الفقر، ويرفع من مستوى التعليم والصحة، ويزيد من فرص العمل، ويعزز المساواة بين أفراد المجتمع.

تشير الدراسات إلى أن توفير السكن الميّسر يساهم في تعزيز الاستقرار المالي للأسر، ويقلل من الانتقال المتكرر، ويوفر بيئة صحية وآمنة، وبهذا يدعم هذا النوع من السكن أهداف التنمية من خلال تقليل الضغوط الاقتصادية والاجتماعية.

عادةً يُعتبر السكن “ميسور التكلفة” إذا لم تتجاوز تكلفة الإيجار أو الشراء 30% من دخل الأسرة، وعند قلة الخيارات المتاحة للسكن الميسر، قد يدفع هذه الأسر إلى تقديم تنازلات بين احتياجاتهم الأساسية مثل الغذاء والرعاية الصحية والتعليم، مما يضعهم تحت ضغط مالي كبير.

كما أظهرت الدراسات أن الأطفال الذين يعيشون في مساكن غير ملائمة، معرضون أكثر للإصابة بأمراض التنفس، ومشاكل في القلب، وحتى اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب، وتؤثر هذه الظروف سلباً على نموهم البدني والعقلي، مما قد تتسبب في ضعف الأداء الدراسي وزيادة الغياب عن المدرسة.

إضافة إلى ذلك، تعاني الأسر ذات الدخل المنخفض من التنقُّل المتكرر بسبب مشاكل في تكلفة أو جودة السكن، هذا التنقل يؤثر على الأطفال ويقطع استقرارهم التعليمي والاجتماعي، ويؤدي إلى الانخراط في بيئات لا تساعد على التعلم، كما يعطل قدرتهم على بناء علاقات مستقرة مع أقرانهم.

لكن في بعض الحالات، قد يكون للتنقل السكني فوائد، خصوصاً إذا انتقلت الأسرة إلى حيٍّ يتمتع بخدمات أفضل، حيث يمكن للأطفال الاستفادة من مدارس ذات أداء أعلى وفرص تعليمية وصحية أفضل.

وتشير أبحاث أخرى إلى أن امتلاك الأسرة لسكنها الخاص يمكن أن يساعدها على تكوين الثروة وتقليل الضغوط المالية على المدى الطويل، مما يعزز جودة الحياة، وعندما تتحسن مستويات الصحة والتعليم في المجتمع، فإن الدولة تستطيع المُضي بثبات نحو تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة وشاملة.

في المملكة العربية السعودية، تُولي القيادة أهميةً كبيرةً لهذه القضايا منذ تأسيس الدولة، وحرصت على توفير الاحتياجات الأساسية لكل المواطنين، بما في ذلك السكن المناسب والتعليم والرعاية الصحية، كما يعدُّ صندوق التنمية الوطني، والصناديق التابعة له، من أبرز الجهات التي تلعب دوراً في تحقيق هذه الأهداف، من خلال توفير التمويل التنموي للمشاريع الاجتماعية والاقتصادية، ومن هذه الجهود ما يقوم به صندوق التنمية العقارية، بالتكامل مع وزارة البلديات والإسكان، من خلال برامج تسهل التملك السكني للمواطنين.

وفي هذا الصدد، يسعى صندوق التنمية العقارية إلى تقديم حلول تمويلية واستثمارية فعّالة ومناسبة لجميع شرائح المجتمع؛ لتمكينهم من الحصول على السكن الملائم، وقد ساهمت هذه الجهود في زيادة العرض السكني بنوعيات وأسعار مناسبة، مع الحرص على رفع نسبة تملُّك المواطنين للمساكن إلى 70% بحلول عام 2030، بما يتماشى مع أهداف رؤية المملكة 2030.

كما تعمل صناديق وبنوك التنمية الأخرى تحت مظلة صندوق التنمية الوطني على برامج ومبادرات متنوعة تهدف إلى تحسين جودة الحياة وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مع ضمان التكامل بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص لتحقيق الأثر المرجو.

إن تحقيق التنمية المستدامة يتطلب تكاتفاً وتعاوناً مستمراً بين الجهات كافة، لضمان توفير السكن المناسب، والتعليم الجيد، والرعاية الصحية، ومستوى دخل كافٍ، من أجل بناء مجتمع يتمتع بحياة كريمة ومتوازنة.