تحوّلات سوق العمل
تسعى المملكة إلى تنويع اقتصادها وتقليل الاعتماد على النفط، لتصبح مركزاً اقتصادياً واستثمارياً إقليمياً وعالمياً، ويتجلّى هذا الطموح في الإصلاحات الهيكلية لسوق العمل والمبادرات التي تدعم مشاركة المرأة، وتزيد من فرص العمل للشباب السعودي، وتدخل التقنيات الحديثة في مختلف القطاعات.
ومع اهتمام صناع القرار، أصبح سوق العمل السعودي اليوم بيئة جاذبة للمواهب من داخل المملكة وخارجها، حيث تلتقي فيه ثقافات ومهارات متعددة، مدعومة بإصلاحات شملت الأنظمة، والأجور، والإنتاجية، ونوع الوظائف.
ومن أبرز مؤشرات أداء سوق العمل؛ معدل المشاركة في القوى العاملة الذي يعكس قدرة الاقتصاد على توفير فرص العمل، إذ ارتفع هذا المعدل من 56.4% في بداية عام 2019 إلى .268% في الربع الاول من عام 2025، وقد جاءت هذه الزيادة بفضل ارتفاع نسبة مشاركة المواطنين، في حين ظلت مشاركة غير السعوديين مستقرة نسبياً.
ومن أبرز التحولات أيضاً؛ ارتفاع مشاركة المرأة في سوق العمل التي زادت من 20.9% في 2017 إلى 36.3% في الربع الاول من 2025، متجاوزة بذلك مستهدفات الرؤية بعد تطبيق عددٍ من القرارات الحكومية مثل السماح بقيادة المرأة، وتشجيع تعليمها وتوظيفها، وتمكينها في مختلف القطاعات مما دفع الى رفع المستهدف إلى 40% بحلول عام2030م.
أما معدل البطالة؛ الذي يعتبر مؤشراً رئيساً على استقرار الاقتصاد، وبحسب بيانات الهيئة العامة للإحصاء، فقد تراجع معدل بطالة السعوديين إلى 7% في الربع الرابع من 2024، بعد أن كان قد وصل الى مستويات 12.8% بنهاية عام 2017م، كما انخفض معدل البطالة الإجمالي إلى 3.5% مقارنة بـ4% في 2023، ليعكس هذا التحسُّن جهود الدولة في تحسين بيئة العمل وزيادة فرص التوظيف في قطاعات متعددة.
ورغم هذه النجاحات، لا تزال هناك تحديات مستقبلية من أهمها؛ استمرار الحاجة لتوفير وظائف تستوعب النمو السكاني، ودعم التنوع الاقتصادي بعيداً عن النفط، والاهتمام بجودة الوظائف التي ينتجها الاقتصاد الوطني، إضافة إلى مواكبة التغيُّرات العالمية مثل التحول الرقمي وأتمتة الوظائف التي قد تؤثر على طبيعة سوق العمل.
وفي هذا السياق، أشار صندوق النقد الدولي إلى تحسّن إنتاجية العمل خصوصاً في القطاع الحكومي؛ نتيجة التحول الرقمي الذي جاء ضمن رؤية السعودية 2030، ومع ذلك لا يزال القطاع الخاص يعاني من تأثره بتقلبّات أسعار النفط.
وقد أكد الصندوق أيضاً على أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون محركاً للإنتاجية والنمو، لكنه يحمل بعض المخاطر مثل الاستغناء عن بعض الوظائف، ومخاوف تتعلق بحماية الخصوصية والبيانات؛ لذلك من الضروري الاستفادة من هذه التقنيات بشكل متوازن.
وقد أظهرت الدراسات أن المملكة في موقع جيد لاعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي. وتعمل الاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) على استقطاب استثمارات بقيمة 20 مليار دولار، وتدريب 20,000 مختص، وإنشاء 300 شركة ناشئة بحلول 2030، ويتوقع أن يسهم الذكاء الاصطناعي بنحو 135 مليار دولار (12.4% من الناتج المحلي) في الاقتصاد السعودي بحلول نفس العام، مما يجعل المملكة أكبر مستفيد من هذه التقنية في الشرق الأوسط.
ولضمان استعداد المملكة للمستقبل، يجب أن يكون هناك توافق بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل، مع التركيز على المهارات الرقمية والابتكارية المطلوبة في المستقبل، بما يدعم تحقيق برامج الرؤية، ويوفّر وظائف نوعية في القطاعات المستهدفة، ويسهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة.